الأربعاء، 22 أبريل 2009
حقائق تاريخية عن مرض ووفاة جمال عبد الناصر وماذا قال الطبيب الخاص للرئيس جمال عبدالناصر
مات جمال عبدالناصر عن عمر لا يتجاوز52 عاما وهو عمر قصير عامة, كما أنه يعتبر أيضا من أصغر رؤساء الدول الذين توفوا وهم يحكمون وعندما توفي كان ملء السمع والبصر علي مستوي العالم, وفي المقابل عاش حياة غير طبيعية, وبالإضافة إلي انه مرض بالسكر وضغط الدم وانسداد الشريان التاجي, ففي الثلاثينيات من عمره قام بإنقلاب عسكري اعقبه بثورة أطاحت بنظام الحكم الملكي في مصر وظهرت ميوله الوطنية ونزعته الاستقلالية في صفقة الاسلحة التشيكية والاعتراف بالصين الشعبية.
وحين أمم قناة السويس أصبح بطلا للأمة العربية وجميع الشعوب التي تتطلع للحرية ولم يستطع الغرب الصبر فحدث العدوان الثلاثي من انجلترا وفرنسا وإسرائيل الذي باء بالفشل وخرج بعد العدوان أقوي مما كان وأصبح نموذجا تقتدي به إفريقيا وأمريكا اللاتينية علي طريق التحرر والاستقلال.
ورأت سوريا أن الوسيلة الوحيدة لاعادة الاستقرار بعد سلسلة من الانقلابات هي الوحدة مع مصر وقبلت مصر ولم تستطع الرفض, وكانت هذه الوحدة سابقة لأوانها فقد بنيت علي أسس سياسية. والوحدة لا تنجح إلا إذا قامت علي أسس جغرافية واقتصادية, ولذلك سرعان ما انفصلت سوريا تاركة في نفس عبد الناصر جرحا لا يندمل, فسوريا هي التي طلبت الوحدة وهي التي فرضت الانفصال وكانت اول هزيمة تقابله اصابت نفسه بالمرارة وجسمه بمرض السكر الذي كان مهيأ له بعامل الوراثة.
***
بدأ رحلة المرض وهو في شرخ الشباب ولم يكن لإسرائيل والغرب أن تتركه لشأنه فنجاحه أدي إلي استقلال الدول العربية في اتخاذ قرارها وأن تملك مصيرها بنفسها وهذا هدد مصالح الغرب الذي كان يحلم بالسيطرة علي منابع النفط والشرق الأوسط, وهي مصدر القوة والثروة في العالم المعاصر, وازدادت كراهية إسرائيل والغرب لجمال عبد الناصر بعد تعاظم النفوذ السوفيتي الذي اسهم في انشاء السد العالي, وامداد العالم العربي بالسلاح, وكان هذا فوق احتمال إسرائيل والغرب الذي ساعد إسرائيل علي صناعة السلاح الذري وامدادها باسلحة أكثر تقدما من السلاح السوفيتي الموجود بحوزة مصر, وبهذا ضمنت إسرائيل أن يكون ميزان القوي في مصلحتها.
وفي الوقت نفسه الذي كانت فيه الثورة اليمنية تستنزف الجيش المصري شنت إسرائيل حرب67 تحت حماية الدول الغربية وأطاحت بالجيوش العربية في مصر والاردن وسوريا ودفعت الشعوب العربية ثمن الهزيمة بالاحتلال العسكري الإسرائيلي لسيناء والضفة الغربية والقدس الشرقية والجولان ودفع جمال عبد الناصر الثمن بسرعة ظهور مضاعفات مرض السكر في الجهاز العصبي والدوري في الوقت الذي لم يكن عمره قد تجاوز ثمانية واربعين عاما.
وفي يوم1967/7/13 وهو اليوم التالي بعد أن توليت مسئولية طبيبه الخاص قمت بتوقيع الكشف الطبي عليه لأول مرة فوجدت مساحة محدودة من التمدد في الشعب الهوائية اسفل احدي الرئتين, كما وجدت أن نبض شريان احدي القدمين غير محسوس وبدا واضحا أن تصلب الشرايين قد ظهر مبكرا في الطرف السفلي, ولم تمض أيام حتي ظهر اسيتون في البول بسبب ارتفاع السكر والقلق النفسي وبإشراف الدكتور منصور فايز تمت اعادة السكر إلي مستواه الطبيعي, فيما لا يزيد علي يومين كما استقدم الدكتور منصور فايز الدكتور علي البدري استاذ السكر لتأمين ضبط السكر.
ومع ذلك فقد ظهرت المضاعفات بسرعة في الجهاز العصبي علي صورة التهاب في الاعصاب الطرفية وجذور الاعصاب تسببت في حدوث آلام شديدة في الساقين واسفل الظهر تزداد ليلا وبدأت رحلة العلاج في القاهرة وحمامات حلوان ثم وصلت إلي الاتحاد السوفيتي في حمامات المياه في تسخالطوبو وباستمرار الضغط علي عبد الناصر من جميع الأطباء مصريين وأجانب اقلع عن التدخين.
***
في هذه الفترة كان قد تم اعادة بناء الجيش وبدأت حرب الاستنزاف بشدة وضراوة, ولم يكن جمال عبد الناصر قد تجاوز الخمسين من عمره في ذلك الوقت, وكان عليه ان يستمر مهما كان الثمن فلم يقبل الشعب العربي استقالته بعد هزيمة حرب يونيو وطلب منه الاستمرار فكان عليه أن يدوس علي آلامه ويقاوم المرض ويقود الحرب واستمر يعمل ليل نهار في الوقت الذي كان تصلب الشرايين الذي اصاب قدمه قد بدأ يتغلغل ببطء في الشريان التاجي دون أي إنذار نتيجة منطقية للجهد العقلي والتوتر والقلق النفسي الذي كان يعيش فيه مع ارتفاع السكر وضغط الدم والكلسترول وهو الثلاثي الذي يعتبر وجوده نذيرا بالسوء.
وفي يوم1969/9/11 وقعت الواقعة فعلا فعندما دخلت عليه في الصباح اخبرني انه استيقظ في الفجر, وقد شعر بضيق في التنفس لم يستمر طويلا وعندما كشفت عليه سمعت صوتا ثالثا في القلب وهذا غير طبيعي فقمت بعمل رسم قلب اكد وجود انسداد في الشريان التاجي, وكان بدون ألم وهذا يحدث مع نسبة25% من مرضي السكر, وأكد الدكتور منصور فايز التشخيص وطلب مني استدعاء الدكتور محمود صلاح الدين من الإسكندرية, وكان أكبر أطباء القلب في ذلك الوقت وكان الحرص علي سرية التشخيص هو الدافع للاستعانة بطبيب قلب من خارج القاهرة وحضر الدكتور شازوف كبير أطباء القلب الروس وأيد التشخيص والعلاج.
ولم يمر أكثر من شهرين حتي كان يعمل18 ساعة في اليوم وسافر إلي الرباط لحضور مؤتمر القمة ومر علي الجزائر في طريق العودة وزار طرابلس ثم سافر إلي بنغازي التي وصلها متأخرا لعطل في الطائرة, وتم استقباله في مطار بنغازي استقبالا أسطوريا ثم عاد للقاهرة وسافر إلي السودان ثم إلي موسكو في رحلة غير معلن عنها ثم سافر إلي الخرطوم مرة أخري ثم إلي ليبيا مرة ثانية, وفي مصر كان ينتقل بين القاهرة وأسوان والإسكندرية ويقود حرب الاستنزاف ويسافر إلي القنال ليتفقد الجنود والضباط ثم سافر إلي موسكو مرة ثانية.
أي حياة هذه كان يعيشها جمال عبد الناصر؟ ولا يمكن لمثل هذا النمط من الحياة إلا أن يزيد الأمر سوءا ويضعف عضلة القلب ويعمل علي انسداد ما تبقي من الشريان التاجي صالحا لمرور الدم.
وبدا لأطبائه أن الأمر خرج عن السيطرة فعقدوا معه اجتماعا في الإسكندرية قبل وفاته بشهر برئاسة الدكتور محمود صلاح الدين وحضور الدكتور منصور فايز والدكتور زكي الرملي والدكتور علي البدري وحضوري, وصارح الدكتور محمود صلاح الدين جمال عبدالناصر بعدم وجود أي تقدم في العلاج, وأن الوضع يستلزم إعادة النظر في أسلوب حياته, ولكن جمال عبدالناصر أنهي المقابلة دون أن يعد بتغيير نمط حياته.
إلا أن الأحداث السياسية تسارعت وعقد اجتماع للقمة العربية في القاهرة لاحتواء الخلاف الذي أسفر عن الصدام المسلح بين الفلسطينيين والاردنيين, ولم يكد المؤتمر ينتهي بإيقاف القتال ويغادر جميع الرؤساء القاهرة وآخرهم أمير الكويت حتي كان عبد الناصر قد اصيب بالانسداد الثاني للشريان التاجي خلال عام واحد, وهذا الانسداد تسبب في الصدمة القلبية التي كانت سببا في وفاته والصدمة القلبية تحدث نتيجة تلف40% أو أكثر من عضلة القلب مما يفقد القلب وظيفته كمضخة.
والثابت علميا الآن أن50% ممن يموتون بإنسداد الشريان التاجي يموتون قبل دخول المستشفي والثابت أيضا أن مرضي السكر الذين يموتون بإنسداد الشريان التاجي للمرة الثانية عددهم4 أضعاف من يموتون بانسداد الشريان التاجي للمرة الثانية من غير مرضي السكر.
فلا غرابة إذن في أن يموت جمال عبد الناصر من الانسداد الثاني للشريان التاجي, وهو رجل غير عادي يعيش حياة غير عادية, وما الغرابة في أن يموت جمال عبدالناصر بقامته وسط ساحة السياسة والحرب غير قادر علي الانسحاب أو الخروج أو الاسترخاء, ولكنه قادر فقط علي الصمود بجسده وعقله إلي ان توقف قلبه فمات وإلي هنا ويبدو أن الأمر طبيعي, وقد تقبل القادة هذا الأمر في ذلك الوقت بصورة طبيعية فقد كانوا يعرفون حقيقة مرضه وقيمة وقدر أطبائه إلا أن الشعب المصري والعربي فوجئوا بوفاته فلم يكن أحد يعلم شيئا حتي ذلك الوقت.
***
عندما أعلنت تفاصيل الحالة علي الرأي العام كان لابد أن تنتهي الأمور بالبيان الذي أصدره اطباؤه عن سبب الوفاة وهم الأستاذ الدكتور منصور فايز أستاذ الباطنة بجامعة القاهرة المشرف علي حالته والأستاذ الدكتور زكي الرملي أستاذ القلب بجامعة القاهرة, وطبيبه الخاص كاتب هذه السطور وكان حاصلا علي دكتوراه الباطنة بالإضافة لدبلوم التخصص في القلب والأوعية الدموية وهؤلاء الثلاثة هم الذين قاموا علي علاجه قبل ذلك وحتي وفاته التي أعلنوا أن سببها جلطة في الشريان التاجي للمرة الثانية.
كانت وفاة جمال عبدالناصر حادثا جللا روع مصر والأمة العربية بأكملها وكالعادة في مثل هذه الأحوال تنشط الشائعات فادعي البعض أنه مات بتدليك ساقيه بمادة سامة أو عن حمامات المياه المشعة في تسخالطوبو أو بدس السم في شرابه أو بالسحر الأسود, كما ادعي البعض بأنه مات بغيبوبة نقص السكر, وهو ما لم يحدث لانه شرب كوب عصير فضلا عن أنه لم يحدث له أي اضطراب في الوعي بل كان منتبها واستمع باهتمام لنشرة الأخبار, ولا يوجد بين من أطلقوا هذه الشائعات شخص واحد كان قريبا منه أو من مسرح الأحداث, وفي هذا ما يدل علي أنها مجرد خيالات وأوهام.
وحتي يتم القضاء علي مثل هذه الادعاءات الخاطئة ومن أجل بقاء الحقيقة لمن يريدها كان واجبا علي أن أسجل تفاصيل الحالة الصحية لجمال عبدالناصر في الفترة الأخيرة من حياته, وقد كتبت هذا الموجز حتي لا أترك الساحة لمن يريد أن يجعل وفاة جمال عبد الناصر مادة اعلامية تنتج من الأموال أكثر مما تنتج من الحقائق.
الاشتراك في:
تعليقات الرسالة (Atom)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق