مضي سبعة وسبعون يوما علي تنصيب' باراك أوباما' رئيسا للولايات المتحدة الأمريكية ومع انه لم تكتمل المدة التي يحددها أي رئيس أمريكي جديد ـ وهي مائة يوم ـ قبل ان يفصح صراحة عن سياسته الخارجية.. فإن' أوباما' بتأثيرات أصوله ودراسته الأكاديمية وأفكاره.. سارع و..كسر القاعدة وحدد مسارات مختلفة جذريا عن سلفه ـ الموصوف بأنه أسوأ رئيس أمريكي ـ فتحدث عن الاسلام وذكر المسلمين قبل اليهود في خطابه الرئاسي دون الربط بينهم وبين أعمال العنف والارهاب.. وتجاهل ما كان يسمي محور الشر مبديا الاستعداد لحوار مع ايران وسوريا.. واكد علي ضرورة قيام دولتي فلسطين واسرائيل أساسا للاستقرار والسلام في الشرق الأوسط.. وهكذا تغيرت السياسة الأمريكية المعلنة مما يحتم علينا ـ فرض عين ـ ان نتعامل مع الادارة الجديدة ـ دون افراط في التفاؤل وانما باساليب مستحدثة يجب اساسا ان تنطلق من موقف عربي يلتزم باستراتيجية شاملة يؤمن بها عرب متصالحون وليس متخاصمين أو متناحرين.. وهذا بدوره جعل الندوة تقترح مجموعة من التوصيات بأمل سرعة تنفيذها.. ومنها تأسيس منتدي استراتيجي عربي والاهتمام بتنشيط الجاليات العربية في الخارج والتحرك بزيارات علي كل المستويات الي الولايات المتحدة واللقاء والتحاور المستمر.. وكنا قد قدمنا الندوة ليبدأ الحوار:
* الدكتور محمد عبد اللاه: ان هناك بالفعل متغيرا أساسيا حدث في الولايات المتحدة الأمريكية بانتخاب الرئيس باراك أوباما..وهذا ما أجمعت عليه وسائل الاعلام والخبراء في العالم..ومنذ ظهور النتائج وسائر الدول تنتظر ماذا سيحدث وبالنسبة للولايات المتحدة نفسها فقد كان لها معني كبير يثبت طبيعة' البوتقة الأمريكية' التي تتفاعل فيها جنسيات مختلفة وتفرز انتخاب رئيس من أصل افريقي اسلامي وهذا أمر غير مسبوق.أما اذا تناولنا خطاب أوباما فاننا نجده تصالحيا أعرب فيه عن احترام الاسلام وانه' ليس لدينا مشكلة مع العالم الاسلامي..وانما مع الارهاب الذي سنحاربه وننتصر عليه وبالتالي فانه لم يربط بين الاسلام وبين الارهاب.أيضا فانه قد اختار ميتشيل مبعوثا له لدي الشرق الأوسط وهو رجل معتدل وله سابق خبرة بالمشكلة.كذلك فانه تحدث بلغة تصالحية مع روسيا وايران..وهذه كلها وغيرها مؤشرات ايجابية.. إضافة إلي تحركاته الأخيرة..
من هنا فانني أتصور ان هذه معطيات جديدة ينبغي علينا التعامل معها..
* الدكتور ابراهيم البحراوي: ان هذه المؤشرات التي ذكرها الدكتور عبد اللاه تحتم علينا ترتيب البيت العربي لكي ننتفع بها.فاذا كانت الادارة الأمريكية قد استخدمت منطق الحوار مع ما كان يسمي' محور الشر'. وأبدت استعدادها للحوار مع ايران وسوريا..فإن هذا يلزمنا علي المستوي العربي تعميق واتمام المصالحة وهذه هي سياسة مصر والرئيس حسني مبارك الذي سبق وان قال' اننا نترفع عن الصغائر'.. ولابد في رأيي من تعظيم القواسم المشتركة بيننا..وبناء موقف عربي متماسك وسليم..وأيضا موقف اقليمي متناسق وهنا يبرز الدور التاريخي لمصر..واذا كانت الولايات المتحدة قد تنازلت عن خصوماتها مع بعض الدول فإنه من باب أولي ان تبادر مصر الكبيرة الي هذا..
وبعد هذا ـ وخلاله ـ علينا مواصلة السعي لاتمام المصالحة الفلسطينية ـ التي قطعت شوطا طويلا ـ لاستثمار سياسة أوباما التي اعتمدت اقرار السلام علي أساس قيام دولتين فلسطينية واسرائيلية..حتي نقطع الطريق أمام اسرائيل.
وبإتمام المصالحة العربية كاملة..والمصالحة الفلسطينية بوحدة الفصائل..نكون قد جهزنا المسرح العربي للانطلاق..وحسن التعامل مع الادارة الأمريكية الجديدة والاستفادة من توجهاتها الجديدة..
* الدكتور نبيل شعيب: إنني أؤيد ما قاله الدكتور عبد اللاه والدكتور البحراوي..وأضيف ان ما حدث من تغيير في الولايات المتحدة سيؤثر علي العالم كله..وليس فقط علي العرب..فان الرئيس السابق جورج بوش يعد في رأيي أسوأ رئيس في تاريخ الولايات المتحدة فقد كان' كاوي بوي ـ راعي بقر' يعتقد انه مكلف برسالة سماوية لاصلاح العالم وتشكيل امبراطورية أمريكية..! ومن الواضح ان التغيير بانتخاب' أوباما'..يدعو الي التفاؤل ومن اللافت للنظر فإنه في خطابه الرئاسي ذكر المسلمين قبل اليهود..فقد قال:' المسيحيون والمسلمون واليهود'. وهذه لها معناها..ولم تفت علي اليهود وكتبوا وتحدثوا بشأنها..كما يلفت النظر أيضا انه اختار قناة فضائية عربية..لتكون أول قناة تليفزيونية يتحدث اليها بعد تولي منصبه.
كذلك أؤيد ما قيل عن حسن اخياره لمبعوثه' ميتشيل' صاحب الخبرة السابقة فضلا عن انه من جذور لبنانية عربية..
ومن ناحية أخري يستلفت الانتباه انه منع المسئولين والموظفين في البيت الأبيض من تلقي الهدايا من جماعات الضغط الأمريكية ـ وأولها الجماعة اليهودية ـ..وهذه لها معناها!
لهذا وغيره التفاؤل يبدو واضحا..لكنه في نفس الوقت لا يعني ان كل شيء أصبح تماما وكل الحلول صارت ميسورة..لكنه يدعونا الي بذل مزيد من الجهد الذكي المدروس علي مستويات متعددة: سياسية..واعلامية..ومدنيا..لاستكمال شرح قضايانا..ودعم فهمها وتأييدها..وهنا ـ كما قيل ـ دور مصر..لكنه أيضا دور دول عربية أخري..كما انه دور مهم لجامعة الدول العربية..
وأضيف ان التحرك العربي قد بدأ بالفعل..وأرجو ان يتزايد وبسرعةوعلي مستويات مختلفة فإن الفترة الأولي من عهد الادارة الجديدة مهمة جدا لتحديد المسار..
* محمود مراد: من المهم فعلا اتمام وممارسة المصالحة العربية الشاملة ـ بما قيها المصالحة الفلسطينية وأية خلافات ثنائية ـ واذا كنا نستعد لقمة عربية جديدة..فإنه من الضروري صياغة رؤية ـ أو ـ استراتيجية عربية شاملة تتعامل مع الواقع والمستقبل..ولا ألقي بالعبء علي القمة فإن أمامها جدول أعمال مشحونا..لكني أقترح عقد مؤتمر في نطاق جامعة الدول العربية ـ ولعلها هي التي تتبني الفكرة وتدعو مجموعة كبيرة من المفكرين والمثقفين والمعنيين بالشأن العام..من العقول العربية لمناقشة هذا ـ بحضور مسئولين حتي لا يحدث انفصال ـ وتكون النتيجة مشروعا ضخما مهما قد يطرح بعد ذلك لنقاش عام..وفي النهاية نجد وثيقة نسترشد بها وتهدينا الي طرق التحرك واساليبه..وفي ضوئها تنتج خططا تنفيذية..
واذ أؤيد ما قاله الدكتور نبيل من ضرورة التحرك خاصة في الفترة الأولي فربما أضيف ان التحرك ينبغي عدم اقتصاره علي المسئولين وانما لابد ان يشارك فيه المهتمون والمثقفون..وبحيث لا تقتصر الزيارات فقط علي واشنطون ونيويورك..ولكن تمضي الي سائر الولايات..
وأشير أيضا الي أهمية تنشيط الجاليات العربية..بأسلوب فاعل..وهذا لا يمكن ان يتم بتبعية المصريين في الخارج ـ كما يحدث عندنا ـ لوزارة القوي العاملة..وانما لابد من وزارة دولة أو..تتبع الخارجية برئاسة نائب وزير متفرغ ـ أو..يخصص لها مجلس قومي أعلي..له كيانه وصلاحياته.
واتصالا بهذا..فان احياء وتنشيط الجاليات العربية يلغي ما يسمي بالتطرف..أو..ما شابه!
ولنا في هذا أفكار كثيرة..ليس هنا مجالها.
* الدكتور محمد عبد اللاه: أتفق معك تماما..وأتفق مع ما قاله الدكتور البحراوي ود. شعيب..وبالفعل كما قال الأستاذ محمود مراد فان الاهتمام بالجاليات أمر مهم..واذا كانت كل دولة عربية تهتم بأبنائها المهاجرين فإن الجالية العربية تدخل في اهتمام الجامعة العربية لتكوين' لوبي' عربي وهذه مسألة قانونية معترف بها في الولايات المتحدة..وفي المرحلة الحالية والقادمة ـ كما في الماضي ـ فإن دور مصر محوري..وهذا الدور يسعي إلي مصر..ولا تسعي مصر..اليه!
* الدكتور ابراهيم البحراوي: ان الدور يسعي دائما لمصر لأنها قادرة علي التعامل مع الأطراف الأخري واحتوائها..ومن هنا أنقل الي الاقتراح الذي طرحه الأستاذ محمود مراد وهو انشاء منتدي فكري استراتيجي لصياغة استراتيجية عربية..واذا كان قد اقترح ان تقوم الجامعة العربية بالدعوة الي مؤتمر لهذا الغرض..فانني أري ان تتولي مصر هذه المهمة علي عاتقها بمتابعة التأسيس لأنها قادرة علي احتواء كافة التيارات الفكرية باختلاف المذاهب السياسية والعقائدية..ولكي تعيد ترتيب الأفكار بأسلوب بناء يعيد ترتيب البيت العربي..وهذه تصبح بداية هامة جدا..
ان المفكرين والمثقفين السياسيين هم الأقدر علي تحليل الأوضاع وتشخيص الحالة العربية واستشراف المستقبل..وأرجو التركيز علي هذا الاقتراح والعمل علي تنفيذه..
* الدكتور نبيل شعيب: أؤيد ما قيل عن الاهتمام بالجاليات العربية لأنها بحكم خبرتي واقامتي هناك تملك حرية الحركة في كل الولايات.. والتأثير علي الرأي العام الأمريكي.
* الدكتور محمد عبد اللاه: هذا مهم جدا.. لأن الرأي العام.. ومراكز الدراسات وغيرها.. تؤثر علي صناعة القرار.. وأعضاء الكونجرس من بين الرأي العام.. وهذا خاصة اذا شرحنا موقفنا جيدا.. وخلقنا لنا مصالح مع الأمريكيين.. ولكن ـ وأكرر ما قلتموه ـ فقد آن الأوان لكي يسمع الأمريكيون كلمة عربية واحدة وليس أكثر من كلمة وأكثر من رأي.. وهذا يعيدنا الي ما تحدثنا به عن صياغة رؤية عربية.. والمنتدي الاستراتيجي.. والاتفاق علي موقف موحد.. وقد قال لي رسميون وأعضاء مجلس الكونجرس هذا.. بل ان بعضهم قال انه كان يلتقي بعرب يتحدثون بلغة معينة.. ثم علي السلم الخارجي وأمام أجهزة الاعلام يقولون كلاما مختلفا لم يحدث!!
اشترك في الندوة:
* الدكتور محمد عبد اللاه: مسئول العلاقات الخارجية في الحزب الوطني.
* الدكتور ابراهيم البحراوي: الاستاذ بجامعة عين شمس
* الدكتور م. نبيل شعيب: عضو المجلس المصري للشئون الخارجية
الاشتراك في:
تعليقات الرسالة (Atom)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق