انتهي الإعلان الصادر عن القمة الدورية في الدوحة بفقرة عن الأمن القومي العربي, الذي غاب عن أعمال هذه القمة وإن حضر في ثنايا بعض الخطب التي القيت فيها من باب التجميل أو التفخيم, ولذلك لم يأت الحديث عنه في محله في أي منها.
ولم تختلف عن ذلك الفقرة التي ختم بها إعلان الدوحة, وتضمنت ماقيل إنه تكليف من القادة لما اطلق عليه أجهزة العمل العربي المشترك( بمتابعة العمل ووضع الخطط والبرامج التنفيذية في مجال الأمن القومي العربي..)
فلا صلة واضحة بين هذه الفقرة وباقي الإعلان الذي تضمن مواقف معظمها متكررة تجاه القضايا التي تطرح عادة في مؤتمرات القمة.
ولذلك بدت مقاربة موضوع الأمن القومي العربي في هذه القمة, كما في سابقاتها, هلامية علي نحو يجد فيه من ينكرون وجود هذا الأمن سندا لموقفهم, غير ان روتينية التعامل العربي الرسمي مع مسألة الأمن القومي العربي لاتكفي دليلا علي الرغم من ان هذا الأمن لاوجود له خارج خطاب الحماسة القومية.
فهو ليس تنظير ايديولوجيا منبت الصلة بالسياسة الواقعية, ولايستقيم رفض وجود أساس واقعي له مع قبول مفهوم الأمن الإقليمي, فمادامت الترتيبات الأمنية بين دول يجمعها اقليم معين ممكنة, بل ضرورية, يصبح وجود الأمن القومي العربي طبيعيا بالنسبة إلي دول يربط بينها ماهو أكثر من مجرد أنها موجودة في إقليم واحد.
ولذلك لايجوز نفي وجود الأمن القومي العربي من حيث المبدأ لكونه لم يتحقق, مثلما لايصح إنكار إمكان إقامة منظومة أمن إقليمي هنا أو هناك لأن الدول التي يفترض ان تقيمها لم تتفق علي الترتيبات الخاصة بها. ولذلك فالحد الادني لمفهوم الأمن القومي العربي هو اعتباره معادلا للأمن الاقليمي في المنطقة التي تسمي العالم العربي, ويصعب, هنا الحديث عن أمن إقليمي شرق أوسطي, بسبب وضع غير طبيعي في هذه المنطقة يعود إلي زرع إسرائيل فيها.
فالأمن الشرق أوسطي هو الذي يبدو, في هذا السياق, ضربا من الخيال أو الشطط الإيديولوجي, وليس الأمن القومي العربي, ولكن هذا الأمن يتجاوز الحد الادني ممثلا في الأمن الإقليمي المعروف في مناطق اخري من العالم بفعل الوشائج التي تربط بين الدول العربية, ولايقلل الطابع المعنوي والوجداني لهذه الوشائج أهميتها وجدارتها بالإسهام في صنع رابطة امنية, مثلما لايحد من اثرها في إيجاد حالة خاصة تميز العلاقات السياسية بين الدول العربية.
وهذه الحالة هي التي تجعل مفهوم النظام الإقليمي مقصورا علي التعبير عن خصوصية العلاقات العربية في انماطها كافة تعاونا وصراعا ومابينهما, فهذا المفهوم يؤطر العلاقة بين دول يجمعها الإقليم نفسه دون جامع آخر, حتي إذا بلغت اعلي مبلغ علي صعيد التكامل مثل دول الاتحاد الأوروبي.
ولذلك قد يجوز القول إن الأمن القومي العربي هو أمن إقليمي زائدا وشائج تاريخية وراهنة تضفي علي العلاقة بين العرب طابعا مميزا حتي في ذروة تنافرهم, ومضافا إليه قواسم ثقافية ومجتمعية مشتركة, وهذا هو مايفسر لماذا يتألم قروي مصري أو مغربي بسيط إذا تعرض راعي غنم في جنوب لبنان مثلا لاعتداء إسرائيلي.
ولذلك لايثير اي دهشة انفعال العرب في كل مكان عند حدوث عدوان إسرائيلي علي الفلسطينيين, ولايمكن ان نجد مثل هذا الانفعال لدي الأوروبيين إذا حدث مكروه لأحد بلادهم.ولولا هذا الذي يجمع بين العرب, ولايوجد مثله في اقاليم أخري, ماجاز الحديث عن احباط شعبي يكاد ان يكون متشابها في مختلف بلادهم تجاه نتائج مؤتمرات القمة, وليست مفبركة التقارير الصحفية التي تظهر تفكيرا وليس فقط موقفا, مشتركا بين المستطلعة آراؤهم في بلاد عربية تفصل بينها آلاف الكيلومترات.
والكثير من هؤلاء في قلب المجتمعات العربية يميزون بفطرتهم السليمة بين حدث عن الأمن القومي العربي يمثل ديكورا في هذا الخطاب الرسمي, او ذاك, وحقيقة هذا الأمن الذي تشتد حسرتهم عليه كلما حدث اعتداء علي احد بلاد الأمة. وربما يكون بعضهم ادركوا ان العدوان الذي حدث في شرق السودان, ولم يكشف النقاب عنه إلا بعد مايقرب من شهرين علي وقوعه, هو الذي يمثل تهديدا للأمن القومي العربي وليس قرار المحكمة الجنائية الدولية باعتقال الرئيس عمر البشير. ولذلك كان الصمت ازاء هذا العدوان خلال قمة الدوحة, وحتي الآن, دليلا جديدا علي المدي الذي بلغه تدهور الوضع العربي, فقد ضجت القاعة التي عقدت فيها القمة من شدة الضجيج الذي شهدته فيما يتعلق بقضية استهداف البشير, بالرغم من ان احدا في المجتمع الدولي لم يتصد لتنفيذ مذكرة اعتقاله.
والارجح ان أيا من الدول الغربية الكبري التي تقدر علي ذلك لايرغب في ان تسجل عليه سابقة اللجوء إلي قرصنة دولية علي هذا المستوي مهما كان الهدف منها. ولذلك فليس هناك مايدل حتي الآن علي ان البشير مهدد حقا بالاعتقال في الوقت الذي يوجد ما يؤكد ان السودان هو المهدد بمزيج من التفكك والفوضي إذا لم يحدث تدخل عربي مباشر لإلزام حكومته بالتحرك فورا لحل أزمة دارفور ومساعدته في ذلك, فترك السودان عرضة لتفكك مصحوب بفوضي سيكون تهديدا جديدا بالغ الخطر للأمن القومي العربي في مجمله.
فمن شأن ضياع السودان ان يمكن إسرائيل من قطع خطوة أخري كبيرة باتجاه السيطرة علي البحر الأحمر, وقد أظهرت الغارة علي شرق السودان المدي الذي بلغته إسرائيل في تحقيق هذا الهدف التاريخي الذي يعتبر عمره من عمرها, وكان احد سفرائها الذين خدموا في مصر موشي ساسون عضوا في أول لجنة شكلها ديفيد بن جوريون في بداية خمسينات القرن الماضي, لبناء استراتيجية إسرائيلية استهدفت الحصول علي موقع قدم في البحر الأحمر, وهاهو هذا الموقع صار مواقع يزداد تهديدها.
ومع ذلك يمكن ان تأخذ مصر المبادرة سعيا إلي تحرك باتجاه وضع استراتيجية لدعم الوجود العربي في البحر الأحمر تشتمل علي مكونات سياسية وعسكرية بما في ذلك قوة بحرية وجوية لحماية الأمن القومي في هذه المنطقة, ويمكن ان تكون هذه القوة مشتركة بين مصر والسعودية واليمن, وربما السودان أيضا حين يحل ازمته, وليس هناك مايمنع من مشاركة دول عربية أخري فيها حتي إذا لم تكن مطلة علي البحر الأحمر.
وليس هذا سوي مثال واحد علي ان هناك امنا قوميا عربيا, وان هذا الأمن مهدد حتي النخاع, وان حمايته ممكنة إذا اردنا.
الأربعاء، 22 أبريل 2009
الاشتراك في:
تعليقات الرسالة (Atom)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق